عرفت فترة ما قبل الاستعمار في المغرب اضطرابات
داخلية لا تحصى ساهمت في إضعاف المغرب وجعله أكثر عرضة للاستعمار وشطط العدو
الأجنبي الذي كان يمارس من جهته ضغوطات تارة عسكرية وتارة عبر تلاعبات. ويقول
" جورج أرويل" George Orwell : " من يتحكم في الحاضر يتحكم في
المستقبل. ولا يمكن أن نتحكم في الحاضر والمستقبل إن لم نتحكم في التاريخ ". الرجوع
إلى التاريخ هو إذا أمر أساسي لفهم الحاضر وإستقراء المستقبل. في هذا الإطار
سنحاول في بحثنا اقتباس الجواب من التاريخ لهذا التساؤل " ما هي الظروف
الداخلية والخارجية التي أدت إلى نظام الحماية بالمغرب ؟" سيكون عرضنا عبارة
عن سرد كرونولوجي لأحداث تتلاحم فيها ظروف خارجية وداخلية لأفول المغرب.لقد ارتفعت وثيرة التنافس الإستعماري الأوربي و تزايد التغلغل الإمبريالي على المغرب مع مطلع القرن العشرين ، فكسائر دول إفريقيا بوجه الخصوص و العالم بشكل عام كان المغرب محط أطماع مجموعة من الدول الأوروبية الإمبريالية التي سعت بكل الطرق إلى أن تضمه إليها ، فمارست عليه مجموعة من الضغوطات لإضعافه إلا أن أجبرته على توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس سنة 1912 و بدلك طبقت عليه فرنسا النظام الاستعماري المسماة بنظام الحماية. إذ يمكن تفسير ما وصل إليه المغرب من ضعف و استسلام للقوى الإمبريالية هو بالأساس راجع للسيرورة الأزمات التي عانى منها المغرب جراء مجموعة من الضغوط الخارجية التي مورست عليه ، بالإضافة إلى معاناته من مجموعة من المشاكل الداخلية التي كانت سببا في إضعافه .كلها عوامل ساهمت في إنحطاط المغرب داخليا و خارجيا و جعلته لقمة سائغة تقاسمتها فرنسا و إسبانيا. في هذا الصدد نحن نعلم أن أغلب المغاربة قد دأبوا على التحدث عن استقلال المغرب أكثر من استعماره، وعن طريقة نيله الإستقلال من المحتل الفرنسي أكثر من تساؤلهم عن العوامل الرئيسة التي أفضت إلى إستعمار هذا الوطن، حتى أن الجواب عن سؤال "كيف احتُلّ المغرب يبقى شبه مجهول". سؤال يستحق البحث و التمحيص من أجل الوصول إلى حقيقة مفادها أن هنالك أسباب و دوافع جعلت المغرب يسقط في قبضة المستعمر و بطشه.
هذه الحيثية تحديدا هي التي سنتطرق إليها في هذا العمل المتواضع ، حيث سنحاول عرض مجموعة من العوامل التي أدت إلى فرض الحماية على المغرب ، متطرقين في جزء أول الى الظروف الداخلية للبلاد في عهد مجموعة من السلاطين التي توالت على حكم المغرب ، و في جزء ثان ، سنعرض مختلف الضغوط الخارجية التي كان المغرب ضحيتها.
قبل الإجابة على السؤال المطروح، وجب علينا تأطير الموضوع زمنيا و مكانيا. فعملنا هذا سيركز على الفترة الممتدة بين سنة 1790 الى 1912،أ ي الفترة الممتدة بين وفاة السلطان محمد بن عبد الله حفيد السلطان اسماعيل و سنة فرض الحماية على المغرب.
ساهمت الأوضاع الداخلية المتدهورة في احتلال المغرب
في الوقت الذي كانت فيه دول أوروبا تعيش فترة انتقالية إجتماعيا ، إقتصاديا وسياسيا ، تطور قدراتها و تنمي مؤهلاتها ، كان المغرب يعيش مجموعة من الأحداث التي هزت استقراره و أضعفته فجعلته يدخل في دوامة الثورات محدثة شرخا بين المخزن و المجتمع . المخزن و المجتمع. طرفا معادلة كانت أساس تدهور حالة البلاد. لقد غير محمد الثالث مفاهيم المخزن. فبعد أن كانت الدولة جابية ،أصبحت في عهده راعية تهتم بمصالح الشعب. إلا و بوفاته ، نهج المغرب سياسة الانغلاق مع الغرب، و عانى من مجموعة من المشاكل الداخلية شملت الجانب الاقتصادي، العسكري، الاجتماعي. لقد شكل مشكل انتقال السلطة في المغرب عائقا كبيرا في النهوض بهذا البلد. فكلما مات السلطان إلا و تحارب أبناؤه على العرش. و كان لتدخل الجيش في تنصيب السلاطين و الإطاحة بهم في ظل عدم وجود أي إطار قانوني واضح ينضم انتقال الحكم من سلطان إلى اخر دور مهم في عدم استقرار هرم السلطة بالبلد.
عسكريا، كان الجيش المغربي جيشا غير نظامي، يتكون من فرقتين أساسيتين: فرقة البخاري و فرقة الوداية، كما كان يتم النداء على بعض القبائل لمساندة الجيش في الحروب. من البديهي أن جيشا غير مدرب يستعمل أسلحة بدائية سينهزم يوما ما. وهذا ما حدث في معركة إيسلي سنة 1844 و معركة تطوان سنة 1859. مشكل اخر كان يعاني منه الجيش المغربي هو أنه كلما ينهزم في حرب أو أحس بقرب هزيمته،يتوجه لنهب القبائل وسرقة الأموال. مشكل خطير اخر هدد استقرار المغرب. مشكل أدى إلى فقدان المخزن لسلطته على الشعب. فلقد كانت الحمايات الممنوحة من طرف القنصليات الأوروبية لبعض المغاربة العاملين بها وسيلة لهم للتملص من الضرائب المفروضة من طرف المخزن أنذاك. ما زاد الطين بلة هو أن هذه الحمايات أصبحت تعطى لعدد كبير من المغاربة و تخول لهم المحاكمة من طرف قضاء البلد المانح للحماية. إن إعطاء الحماية للمسؤلين المغاربة كان ضربة قاضية للسلطة المغربية، فحتى المنبهي الذي تولى زمام الحكم في فترة المولى عبد العزيز كان محميا بريطانيا.
إقتصاديا، عانى المغرب كثيرا من التبعية الإقتصادية و المديونية، فالقروض المفروضة على المغرب جراء معاهدة الخزيرات أثقلت كاهل خزينة المملكة، زد على ذلك نفقات البلاط لتغطية مصاريف لعب المولى عبد العزيز.هدا الأخير الذي كان معجبا بمظاهر الحضارة الأروبية و غير قادر على مسايرة الأطماع الأوربية علاوة على دلك فإن تحكم الدول الأوروبية في رسوم الجمركية للمغرب أضعف موارده المالية، فاضطر المخزن إلى فرض ضرائب على الشعب الذي واجهها بدوره بالرفض.عانى المغرب من مشاكل داخلية أخرى تتمثل في جهل بعض العلماء الذين أفتوا بتحريم مجموعة من الأمور كالبارود و الشاي و غيرها بذريعة أنها مخالفة للشريعة الاسلامية.بالإضافة إلى بعض مواقفهم المخالفة للإصلاحات التي بدأها السلاطين الشيء الذي جعل المغرب يعيش دوما في دوامة الإنحطاط و التأخر مقارنة بنظيرته فرنسا خاصة أو الدول الأوربية عامة. كما عانى المغرب أيضا من عدم استقرار نتيجة عصيان بعض القبائل و انتشار الثورات في مختلف مناطق المغرب لعل أبرز مثال لذلك هو ثورة الجيلالي الزرهوني الملقب ببوحمارة،الذي بايعته قبائل فاس و تازة سنة 1902 ثم انضمت إليها قبائل المغرب الشرقي فإتخد سلوان عاصمة له واستفاد من الدعم الاسباني و الفرنسي و خلق متاعب كبيرة للمخزن المغربي و تطلبت مقاومته تكاليف باهضة أزمت وضعية خزينة الدولة ،و خلال هذه الثورة إدعى الجيلالي الزرهوني كونه الأخ الأكبر للمولى عبد العزيز و أنه الأحق بالحكم.و رغم عزل السلطان المولى عبد العزيز و تقديم البيعة المشروطة لأخيه المولى عبد الحفيظ فإن هذا الاخير أجبر على التعامل مع الدول الأوربية مقابل الاعتراف ببيعته،الشيء الدي أغضب علماء و فقهاء فاس ،حيث لاحظنا بروز ثوة أخرى من نوع اخر ألا و هي ثورة الجيش على السلطان الجديد.
أدت العوامل الخارجية المتراكمة إلى سقوط المغرب في قبضة المستعمر
تعرض المغرب لمجموعة من الضغوط الخارجية التي كان غرضها إضعافه. فهذا الأخير كان مستهدفا من طرف ثلاث دول أوربية:فرنسا،إسبانيا و بريطانيا. كل دولة من هذه الدول سعت أن تتوغل في المغرب و أن تضمه اليها. إذ يمكن القول أن مجمل الضغوط الخارجية التي تعرض لها المغرب تتمثل بالأساس في ضغوط عسكرية و إقتصادية. فابريطانيا مارست ضغوطا اقتصادية على المغرب كان الهدف منها هو تقوية موقعها الإقتصادي بدول حوض البحر الابيض المتوسط.يجب الإشارة إلى أن خزينة الدولة المغربية قد تأزمت خصوصا بعد فشل ضريبة الترتيب و فقدان المخزن جميع موارده الجبائية ،مما أجبر على الاقتراض من إنجلترا و هذا ما أدى الى تراكم الديون و بذلك كان سببا في خضوع المغرب لشروط القوى الامبريالية .
كما يجب الإشارة أيضا أن فرنسا، و منذ احتلالها للجزائر و هي تسعى بكل الطرق لكي تضم المغرب إلى مستعمراتها ،فتحقق لها ذلك مع أول مواجهة عسكرية تجمعها بالجيش المغربي التقليدي و غير المنظم كان دلك في معركة إيسلي ، عندها سيشهد المغرب أول هزيمة على المستوى العسكري و التي كانت سببا في فرض فرنسا على المغرب مجموعة من العقوبات ،إذ يمكن القول أن هذه الهزيمة كانت سببا في إزالة حجاب الهيبة عن المغرب و تلتها تنازلات الحدود التي مست بالأساس سيادة الدولة المغربية حينما تعلق الأمربرسم الحدود مع المستعمرة الجزائرية بمقتضى معاهدة للامغنية.هذا دون نسيان أن المغرب قد تعرض إلى هزيمة أخرى كانت أفدح من سابقتها ألا و هي الهزيمة التي تعرض لها في معركة تطوان أمام خصم ضعيف تمثل في الجيش الإسباني تلاها إحتلال لمدينة تطوان .كل هذه الهزائم كشفت الضعف الذي يعاني منه المغرب و جعلته يعيد النظر في ذاته المنكسرة.
مع مطلع القرن العشرين عملت الدول الإمبريالية على تسوية خلافاتها حول المغرب ،فقد تمكنت فرنسا من تسوية خلافاتها مع جل الدول الأوربية الإستعمارية حول المغرب ففي سنة 1902 وقعت إتفاقية مع إيطاليا تقضي بتنازل فرنسا عن ليبيا ،و في سنة 1904 عقدت إتفاقا وديا يقضي بتنازل إنجلترا على المغرب مقابل مصر،و ينص على تقسيم المغرب بين فرنسا و اسبانيا و خلال سنة 1905توثرت العلاقات بين فرنسا و ألمانيا حيث إنفجرت الأزمة المغربية الأولى التي أجبرت فرنسا على قبول انعقاد مؤثمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 و الذي خول بدوره إمتيازات للأجانب خاصة فرنسا و إسبانيا.مما أغضب ألمانيا فأرسلت بارجة حربية إلى ميناء أكادير سنة 1911 فإنفجرت الأزمة المغربية الثانية ،إنتهت بتوقيع معاهدة بين فرنسا و ألمانيا تقضي بتنازل هذه الأخيرة عن المغرب مقابل منطقة الكونغو،و بذلك إنفردت فرنسا و اسبانيا بالمغرب ففرضت معاهدة الحماية على السلطان المولى عبد الحفيظ في 30 مارس 1912.
هكذا يمكن القول أن رغم كل هذه الضغوط التي مارستها الدول الأوربية على المغرب ، إلا أنها لم تتمكن من احتلاله حتى سنة 1912 سنة فرض الحماية عليه.حيث لاحظنا مرور المغرب عبر عدة مراحل عرفت تأرجح وضعيته بين القوة و الضعف، فقد كان عليه مواجهة أطماع الدول الغربية و حل المشاكل الداخلية، إلا أن كل محاولات الإصلاح التي قادها بعض السلاطين باءت بالفشل ممهدة الطريق لفرنسا لإحتلاله تحت ذريعة الحماية. في هذا الصدد يمكن أن نتساءل عن طبيعة هذا النظام الجديد المسمى بالحماية.هل الحماية هي ما جاء في معاهدة فاس ، نقصد هنا العقد الموقع في يوم 30 مارس 1912 من قبل المولى عبد الحفيظ و السفير الفرنسي رينو حيث إتفقا على إقامة نظام جديد يتضمن إصلاحات شاملة . أو أن الحماية هي ما جاء على لسان المارشال ليوطي "ينبغي أن تبدو الإدارة كأنها تتم بواسطة السلطات المحلية تحت إشراف السلطان.نمارس الحماية ،لا الإدارة المباشرة ،لا ينبغي أن نطمس الأطر القديمة ،بل علينا أن نستعملها و أن لا نقاوم أعضاء
المخزن بل نسخرهم في إدارة البلاد"
الحسين حمام
المخزن بل نسخرهم في إدارة البلاد"
الحسين حمام